العنف المدرسي .. الامتحان الصعب لسعد برادة

أمكار عصام

تشهد المؤسسات التعليمية في المغرب في السنوات الأخيرة، تصاعدًا مقلقًا في مظاهر العنف المدرسي، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو في علاقتهم بالأطر التربوية والإدارية، وقد أصبح هذا الوضع مادةً دائمة للتفاعل داخل المجتمع، ما يعكس حجم القلق من تحوّل الفضاء المدرسي من بيئة للتعلم والتهذيب إلى مجال يطغى عليه التوتر والانفعال، بما لذلك من أثر سلبي على أداء الفاعلين التربويين وجودة العملية التعليمية .

وأمام هذا المشهد المقلق، تزداد مسؤولية وزارة التربية الوطنية ثقلاً، خصوصًا في ظل الانتظارات المجتمعية المتزايدة وتجد الوزارة نفسها أمام امتحان فعلي يتطلب استجابة عملية واستراتيجية متكاملة تجمع بين الإجراءات الوقائية والتربوية والأمنية، بما ينسجم مع القيم التي تتبناها المدرسة العمومية المغربية .

ولفهم حجم هذا التحدي، لا بد من التوقف عند الأسباب العميقة الكامنة وراء تفشي العنف في الوسط المدرسي، حيث تتعدد أسباب تفشي العنف في الوسط المدرسي، ويمكن تصنيفها ضمن عوامل داخلية تتعلق بضعف التواصل داخل المؤسسات، وتدني البنيات التحتية، والاكتظاظ، وغياب التأطير التربوي المتخصص، وعوامل خارجية تشمل الأوضاع الاجتماعية الهشة، والانفلات الأسري، وأثر الإعلام الرقمي الذي ينقل أحيانًا صورًا مشوهة عن السلطة التربوية، لإن التلميذ لا يدخل المدرسة فارغًا، بل يحمل معه تراكمات بيئته ومحيطه، مما يفرض اعتماد مقاربة شمولية للتصدي لهذه الظاهرة .
وفي سبيل ذلك، اتخذت الوزارة خطوات أولية، غير أن فعالية هذه الجهود تظل محل نقاش،
وقد سجلت الوزارة بعض الخطوات في هذا الاتجاه، من خلال إصدار مذكرات تنظيمية تشدد على الانضباط، وعقد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني، وتنظيم حملات تحسيسية موسمية داخل المؤسسات، كما عملت على تعزيز أدوار الحراس العامين والمساعدين الاجتماعيين، وتفعيل الحياة المدرسية عبر الأنشطة الموازية، غير أن التحدي ما يزال قائمًا، ويحتاج إلى توسيع نطاق التدخل وتجويد أدواته .

وانطلاقًا من هذا التحدي، تبرز مجموعة من الاقتراحات التي قد تسهم في التخفيف من حدة الظاهرة :

تعميم وحدات الإنصات والوساطة التربوية، التي تسمح للتلاميذ بالتعبير عن قلقهم ومعالجة مشكلاتهم السلوكية بطريقة تربوية .

إدماج أخصائيين نفسيين واجتماعيين في كل مؤسسة، مع ربطهم ببرامج للتكوين المستمر .

توفير برامج تدريب للأساتذة في تقنيات تدبير القسم والصراعات التربوية، وخاصة في المستويات الإعدادية والثانوية .

إدماج الأسرة في الحياة المدرسية، عبر تفعيل الأدوار الاستشارية لجمعيات أولياء التلاميذ وتطوير قنوات التواصل معها .

تحسين شروط العمل داخل المدرسة، من خلال تقليص أعداد التلاميذ في الأقسام، وتوفير الأمن داخل المحيط المدرسي، وتحفيز الأطر التربوية .

ومع أهمية هذه التدابير، لا ينبغي أن نغفل أن العنف المدرسي هو نتاج سياقات أوسع تتداخل فيها مسؤوليات متعددة .
إن العنف في المدرسة ليس مسؤولية وزارة التربية الوطنية وحدها، بل هو نتيجة تفاعل عدة فاعلين : الأسرة، والإعلام، والمجتمع المدني، والمحيط الاجتماعي، غير أن الوزارة تظل الفاعل المركزي الذي يمتلك القدرة على التأثير في الاتجاهات الكبرى للمنظومة التربوية ومن هذا المنطلق، فإن الوزير سعد برادة مطالب بتبني رؤية استراتيجية متكاملة، تتجاوز المقاربات الظرفية نحو حلول دائمة تضمن استقرار المؤسسات التعليمية .
إن تجويد التعليم لا يمكن أن يُختزل في الأرقام أو الشعارات، بل يقوم أساسًا على تكوين إنسان سليم في بيئة سليمة .
وبالنظر إلى الوضع القائم، فإن الرهان على التعليم الرقمي والمهارات المستقبلية، لا يمكن أن يُكتب له النجاح دون معالجة الأسس النفسية والاجتماعية التي يقوم عليها الفعل التربوي، فالمدرسة لا تؤدي وظيفتها في التحصيل فقط، بل هي أيضًا فضاء لبناء الإنسان .

إن النجاح في هذا “الامتحان الصعب” لا يتحقق بالإجراءات المنعزلة، وإنما بإصلاحات مندمجة تُعيد الاعتبار إلى المؤسسة التعليمية، وتعزز ثقة المجتمع فيها، وتحمي حق التلميذ في التعلم في بيئة آمنة ومحفزة ومن هنا، فإن اللحظة تقتضي تعبئة جماعية حقيقية، يكون فيها للوزارة دور الريادة والتنسيق، بما يليق بأهمية المدرسة في بناء مغرب المستقبل .

Copyright © 2024