ردٌّ على شهادة إدريس بنهيمة .. شهادة متأخرة، وسكوت لا يُغتفر

بقلم: ذ. المعانيد الشرقي ناجي/ خريبكة
السيد إدريس بنهيمة، أحد كبار رجالات الدولة الذين تقلّدوا مناصب عليا ومسؤوليات استراتيجية في قطاعات حيوية كالمكتب الشريف للفوسفاط بمناجم الفوسفاط بمدينة خريبكة، و وزارة التجهيز والنقل، والمكتب الوطني للكهرباء والماء، والخطوط الملكية المغربية، ثم ولاية الدار البيضاء. يخرج اليوم، وبعد أن غادر مواقع القرار، ليُطلق نداءً يقرع فيه ناقوس الخطر، محمّلاً منظومة التعليم مسؤولية خراب البلاد، ومُحمّلاً الكفاءات المحلية وزر فشل الاستثمار الوطني، متناسيا الكثير من الأمور التي تعتبر جوهر الداء وعنصر قوي مفرمل لعجلة التقدم ببلادنا..
لكن السؤال المشروع والبديهي الذي يطرحه كل مواطن غيور هو:
أين كان هذا الصوت حين كنت أنت نفسك في صلب صناعة القرار؟
لماذا لم تُقرع هذا الناقوس عندما كنت على رأس مؤسسات تُمثّل قلب الدولة الاقتصادي والخدماتي؟
لماذا لم نسمع منك حينها نقداً للتعليم أو دعوة لإصلاحه الجذري، وأنت تدير مشاريع كبرى وتتخذ قرارات بملايين الدراهم؟
ألم تكن ترى بنفسك تدني مستوى الكفاءات؟ ألم تُشرف بنفسك على عمليات التوظيف والتكوين والتقييم؟
نحن لا نشك في صدق المعاينة التي قدّمتها اليوم، لكننا نأسف لكونها جاءت متأخرة جدًا، وفي وقت أصبحت فيه الكلمات أضعف من أن تُحدث التغيير الذي فشل فيه الفعل.
بل إن أخطر ما في هذه الشهادة، أنها تكاد تُحمّل الشعب تبعات فشل النخب، بينما الواقع يثبت أن العطب الأكبر هو في السياسات العمومية التي أنتجت هذا الواقع التعليمي والاقتصادي المرتبك.
لذلك، فالاعتراف مطلوب، لكن الاعتذار أوجب من الواجب الأخلاقي تجاه شعب يئن تحت وطأة الفقر والتفقير حتى بلغ شطآن الاستبعاد الاجتماعي بما يحمل هذا المفهوم من ثقل بلاغي.
والتشخيص يجب أن يكون دقيقا دقة المرحلة التي تعرف لهيبا في الأسعار وغلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية وتكالب الطبقات الميسورة التي تساهم في صنع القرار على حساب شعب تآمر عليه الكل، من فراقشية وناهبي المال العام ومزوري الشواهد باسم الكفاءة وإقصاء الطالب المجد والطالبة النجيبة. ليس إلا لأنهما ينتميان إلى القعر الاجتماعي. المساءلة أيضا أهم من مهمة، ويجب أن تتوجه إلى أصحاب الثروة، بتفعيل سؤال، من أين لكَ ولكِ هذا؟
فالوطن للجميع وليس لطبقة بعينها، والوطن أيضا، لا يحتاج فقط من يُنذِر ويُشخص الأزمات والأعطاب نظريا بعد فوات الأوان، بل يطلبُ الوطن من يتكلم حين يستطيع الفعل، ويُصلح حين يكون القرار بيده، مفعلا بذلك العقل الذي يحلل ويقارن ويقارب ويقيس، ويضع النتائج الموضوعية التي تُبنى عليها السياسات والمخططات والاستراتيجيات المستقلبية، لا الاعتماد على أرقام خيالية بعيدة عن صلب الواقع.. أما بعد مغادرة المواقع والمكاتب المُكيفة يا سيد بنهيمة، فالكلام يصبح أحيانًا شهادة ضد صاحبه، لا لصالحه.
وبالعودة إلى مفهوم الوطن، نستحضر قولا شهيرا لفيلسوف العقد الاجتماعي جان جاك روسو الذي عرفه بعدما طرح عليه سؤال بصدده: فأجاب:
” الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه “مواطن”من الثراء ما يجعله قادراً على شراء “مواطن” آخر، ولا يبلغ فيه “مواطن” من الفقر ما يجعله مضطراً أن يبيع نفسه أو كرامته.
الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء، هو الدفء والإحساس بالكرامة..
ليس الوطن أرضاً فقط، ولكنه الأرض والحق معاً..
فإن كانت الأرض معهم فليكن الحق معك..
الوطن هو حيث يكون المرء في خير.”

Copyright © 2024