التميز ميديا: نجيب مصباح –
في ظل الأزمة الغذائية العالمية، يبرز المغرب كأحد اللاعبين الرئيسيين في صناعة الأسمدة الفوسفاطية التي تُغذي الزراعة الحديثة في شتى أنحاء العالم. ورغم أن المغرب يمتلك 72% من احتياطي الفوسفاط العالمي، ويقود سوق الأسمدة الدولية من خلال مجموعة OCP، إلا أن الواقع المحلي يظل صادما: مائدة مغربية فارغة، ارتفاع غير مبرر في أسعار المنتجات الفلاحية، وتبعية غذائية مقلقة، وواقع فلاحي هش سرعان ما ينكشف مع كل أزمة مطر أو تقلب في أسعار الحبوب كيف يعقل أن يملك المغرب هذه الثروة الفوسفاطية الهائلة، بينما يعاني الفلاحون من الجفاف، ويفتقر البلد إلى الاكتفاء الذاتي في الحبوب..؟
يكشف التحقيق الذي أعدّته الصحفية سامية مجد، ونُشر بتاريخ 8 يونيو 2025 على موقع “نيشان”، عن معطيات بالغة الأهمية تستدعي التوقف والتأمل. ونظرا لحساسية المعلومات التي تناولها، قمنا بجمع أبرز ما ورد فيه في هذا المقال، قصد إطلاع الرأي العام المحلي والوطني على تفاصيله، والمساهمة في إحداث وعي جماعي حول القضايا المطروحة.
يمتد الشريط الفوسفاطي المغربي من خريبكة إلى بوكراع، ويعد من أغنى السلاسل الجيولوجية عالميا. وتقوم مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، التي تأسست عام 1920 وتم تأميمها بعد الاستقلال، بتطوير هذا المورد عبر استثمارات ضخمة بلغت أكثر من 200 مليار درهم منذ 2012، شملت بناء مصانع وخطوط أنابيب وشراكات استراتيجية مع دول من إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية.
ورغم أن المجموعة حققت أرباحا صافية تقارب 28 مليار درهم سنة 2022، لا تظهر انعكاسات هذه العائدات على السيادة الغذائية للمغرب، الذي ما يزال يستورد أكثر من نصف حاجياته من القمح. ففي موسم 2022-2023، استورد المغرب 18.4 مليون قنطار من القمح اللين، بينما لم يتجاوز الإنتاج المحلي 30 مليون قنطار، ما جعله تحت رحمة الأسواق الدولية وتقلباتها.
أطلقت الحكومة سنة 2008 مخطط “المغرب الأخضر”، بهدف تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الفلاحية. لكن، وبعد مرور أكثر من 15 سنة، يُلاحظ أن النجاح تحقق أساسًا في القطاعات الموجهة للتصدير، مثل الطماطم والفواكه الحمراء، التي شهدت نموًا بنسبة 75%. في المقابل، لم تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح 35% سنة 2023، حسب معطيات رسمية.
وبحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لم تتعدّ نسبة استفادة الفلاحين الصغار من هذا المخطط 15%، في ظل تركيز الدعم على كبار المستثمرين.
رغم ضخامة أرباح OCP، لا توجد آليات رقابة برلمانية تضمن توجيه جزء من العائدات نحو مشاريع الأمن الغذائي، أو تمويل وحدات التحلية والري، أو دعم الفلاحين الصغار. في هذا السياق، يشير الخبير البيئي أيوب مرير إلى أن “النموذج الاقتصادي الحالي يستنزف الموارد المائية لصالح زراعات تصديرية، بينما تتراجع أولويات السيادة الغذائية”، مطالبًا بإحداث صندوق سيادي للأمن الغذائي، تموّله 10% على الأقل من أرباح المجموعة سنويًا.
من جهته، يرى هشام لمرباط، الباحث في السياسات العمومية، أن الخلل يكمن في غياب التقاطع بين الرؤية الاقتصادية والسياسات الاجتماعية، مشددًا على ضرورة تدخل تشريعي يفرض مساهمة تضامنية سنوية من أرباح المؤسسات العمومية الكبرى، وعلى رأسها OCP، لدعم أولويات استراتيجية كالأمن الغذائي والمائي.
في الوقت الذي تُستخدم فيه الأسمدة المغربية لزراعة الحبوب في كندا والهند، تخصص مساحات واسعة في مناطق مثل سوس والغرب لزراعة الطماطم والبطيخ الموجهة للتصدير. يقول مرير: “نستنزف المياه لتصدير الطماطم، ونستورد الخبز بالدولار. هذا النموذج غير مستدام أخلاقيًا ولا بيئيًا”.
وتعاني مناطق مثل زاكورة وفكيك والراشيدية من خصاص مائي مزمن، رغم الإمكانات التي يمكن أن توفرها عائدات الفوسفاط في بناء مشاريع تحلية أو شبكات ري.
أجمع عدد من الخبراء على ضرورة تبني حزمة من الإجراءات لإعادة التوازن بين الريادة العالمية والفلاحة المحلية، أبرزها:
1- فرض مساهمة تضامنية سنوية من أرباح OCP لصندوق الأمن الغذائي.
2 – توجيه الدعم العمومي نحو الحبوب والزراعات الاستراتيجية بدل الزراعات التصديرية.
3 – مراجعة أولويات المخطط الفلاحي الجديد (الجيل الأخضر).
4 – ربط مشاريع الفوسفاط بالمشاريع المائية والزراعية الوطنية
Copyright © 2024