اندثار تدريجي للحارس الليلي من أزقة خريبكة.. أمن اجتماعي في مهب الريح

أشرف لكنيزي
رجال يسهرون على حماية المنازل والسيارات والمحلات التجارية، في صمت وتفانٍ، بعيداً عن أسرهم ودفء بيوتهم، إنهم الحراس الليليون، أولئك الذين شكّلوا لعقود طويلة العين الساهرة على الممتلكات الخاصة والعامة، والداعم الخفي لرجال الأمن في الحفاظ على النظام.

غير أن هذه المهنة، بكل رمزيتها وضرورتها، بدأت اليوم تترنح بين الاندثار والتبخيس في مدينة خريبكة، فمع انتشار الكاميرات وشركات الأمن الخاص، بات حضور الحارس الليلي يتراجع تدريجياً، دون أن يواكب ذلك أي اعتراف قانوني أو حماية اجتماعية.

الحارس الليلي يعيش نمطاً مقلوباً، يسهر ليلاً وينام نهاراً، يتناول وجباته في أوقات غير اعتيادية، ويقاوم قسوة البرد والمطر بوسائل بسيطة، أحياناً داخل “علبة” خشبية أو حديدية تقيه قساوة الطقس من خلال سطل حديدي به أخشاب للتدفئة، يحمل مصباحاً يدوياً وهراوة، وربما يستعين بكلب حراسة، ليبقى مستنفراً ضد أي غريب أو حركة مشبوهة.

ورغم هذه التضحيات، فإنه يظل معتمداً على ما يجود به السكان، في علاقة غير متوازنة، لا تضمن له حياة كريمة، فكثير من الناس يعتبرون أن “أجر الحارس على الله”، لكن في المقابل هناك من يتأخر أو يتنصل تماماً من دفع مستحقاته، في استخفاف واضح بخدماته.

اليوم، ومع التقدم التكنولوجي وظهور بدائل رقمية لمراقبة الأحياء والممتلكات، يطرح السؤال بإلحاح: هل نحن أمام اندثار تدريجي لمهنة الحارس الليلي ..؟ الإجابة ليست بسيطة، فبينما تملأ الكاميرات الشوارع وواجهات المحلات التجارية، ما تزال الأحياء الشعبية والفرعية ترى في الحارس الليلي صمام أمان لا غنى عنه، فهو لا يقتصر على الحماية من السرقات، بل يمنح السكان إحساساً بالطمأنينة، كون هناك من يسهر على راحتهم ويقف بالمرصاد لكل طارئ.

إن واقع هذه الفئة يستدعي فتح نقاش جاد حول كيفية تأطير المهنة ومنحها مكانتها القانونية والاجتماعية، بما يضمن للحارس الليلي حياة كريمة، ويعيد الاعتبار لدور كان ولا يزال أساسياً في المنظومة الأمنية والاجتماعية.

فالمدينة قد تزداد أضواؤها، لكن الحارس الليلي سيبقى رمزاً لزمن بسيط، ودرعاً بشرياً لا يعوَّض، إن نحن أمعنا في تبخيسه حتى يزول.

Copyright © 2024