
بقلم: إدريس شحتان-
من المفارقات الصارخة أن يخرج علينا “زعيم “حزب ؟؟ ووزير الشبيبة والرياضة الأسبق، ليمنحنا دروسا في الصحافة والأخلاق ومحاربة الفساد. الرجل نفسه المرتبط في الذاكرة الجماعية بملف «الكراطة» الشهير، ملف الفساد الذي لم يُغادر الوعي العام مهما حاول صاحبه طيّه أو القفز فوقه بخطابات دبّجت له في جنح الظلام. هو أحد العجائب التي نقول عنها إذا لم تستح فقل ما شئت..
أن يتحدث صاحب “فضيحة الكراطة” عن الريع، فذلك يشبه أن يُحاضر الغرقى في فنون السباحة . وأن يتحدث عن القيم، فذلك أشبه بدرس في الطهارة يلقيها من خرج لتوّه من مستنقع نتن من الفساد. يأتي الآن إلى القبة التشريعية، محمّلًا بقِبَبٍ من الوهم، ويتلو ما كتب له دون أن يعي خطورتها، يروج سلسلة من المغالطات، ويكدّس الأكاذيب، من دون أن يملك حتى شجاعة الاعتراف بها، ويظنّ بسذاجة مفرطة، أنه قادر على تمريرها على الناس، أشفق حقا على هذا المسكين، الذي كان يوما ما وزيرا لفضيحة الكراطة، أنهِي مساره ببلاغ رسمي أسقطه بالكاو ، لا أريد أن أخوض في تاريخ أوزين وأسراره.. إننا نعرف خباياه جيدًا، نعرف تاريخه ونعرف على “ظهر “من جاء، ونعرف كيف وصل ظلما على رأس “الحزب ” وسيأتي اليوم القريب الذي سنضع صورته في المرآة، لنرى الفاسد من الصالح. لن نتحدث عن الدار “اللي هناك..”، ولا عن أراضي إفران السلالية، ولا عن المستور، كل شيء بأوانه.
سياسي ” الفضيحة” نعرف أنه بلا ماضٍ نضالي يُذكر، ولا حاضر سياسي يُقنع، لا أثر له في معارك الديمقراطية ولا بصمة له في الدفاع عن الحريات، ولا تاريخ يسمح له بأن ينصب نفسه وصيًا على الأخلاق العامة أو قاضيًا في شؤون الإعلام. كل ما في الأمر أن الرجل بدا منساقًا خلف نصّ كُتب له فأُعجب بصوته في الميكروفون، وتخيّل نفسه بطل مشهد في مسرح لا يعرف قواعده ولا جمهوره. المؤسف ليس ما قاله، بل السهولة التي قال بها كلامًا أكبر منه، سهولة من لم يختبر ثقل الكلمة ولا كلفة الموقف.
حين يتكلم هذا “الوزير المطرود” عن الفساد، لا بد أن نسأله: عن أي فساد تتحدث؟ وبأي ذاكرة؟ وبأي موقع أخلاقي؟ تعال نكشف الريع الحقيقي الذي استفدت منه ونضع أمامك الوثائق والحجج لنر من استفاد حقا من الريع ومن ابتز حلمة الدولة، السياسة، “يا التافه حقا “، ليست مسرحًا للهروب إلى الأمام، ولا الصحافة حائطًا قصيرًا لتصفية الحسابات. ومن لم يصنع تاريخه بالفعل، لا يحق له أن يكتبه بالصراخ.
يبدو المشهد عبثيًا إلى حدّ يدعو للسخرية: سياسي مثقل بذاكرة الفضائح، لم يُنجز في مساره ما يمنحه شرعية أخلاقية أو رمزية، يخرج ليُحاضر في الصحافة، والقيم، والفساد. ليس لأن النقاش في هذه القضايا مرفوض، أبدا، بل لأن ” هذا النكرة” آخر من يملك الأهلية المعنوية للخوض فيها. من كان موضوع مساءلة، ينصّب نفسه قاضيًا، ومن ارتبط اسمه في الوعي العام، بواحدة من أشهر الفضائح في تاريخ التدبير العمومي، يتحول فجأة إلى واعظ أخلاقي بمعطيات مغلوطة.
حين يتحدث عن الصحافة، لا نسمع تحليلًا، ولا تشخيصًا، ولا وعيًا بتعقيدات المهنة، ولا إدراكًا للفارق بين الإعلام العمومي والصحافة المستقلة والمقاولة الريعية. نسمع فقط خطابًا تبسيطيًا، يختزل أزمة بنيوية عميقة في عناوين أخلاقوية سطحية، الأخطر في هذا الخطاب أنه يرمي أسياده بغير حق. فالسياسي الذي عاش داخل منظومة القرار، واستفاد من مواقع السلطة، وتدرّج داخل حزب الإدارة، لا يملك حق الحديث بلغة “البراءة الغاضبة”، لأن ذاكرته السياسية لا تسمح له بذلك. ومن لا يجرؤ على مساءلة نفسه، ولا على تفكيك مسؤوليته التاريخية، لا يحق له أن يتحدث باسم القيم.
فالسياسي الذي لم يكن له ماضٍ نضالي واضح، ولا حاضر إصلاحي مقنع، ولا مساهمة فكرية تُذكر، لا يمكنه أن يتحول فجأة إلى مرجع أخلاقي. الأخلاق لا تُستعار عند الحاجة، ولا تُستعمل كعصا لضرب الآخرين حين تضيق الخيارات. يريد هذا “البرهوش السياسي” أن يشرب «حليب السبع»، مسكين، لاشيء يتقنه: لا في السياسة، لا في النضال، لذلك لا يجد أمامه سوى تجميع المغالطات، وتركيب الروايات الواهية. ونحن، من موقع المسؤولية، نشفق عليه لأنه لا يريد إلا التغطية على فشله، ويحاول أن يجرّنا إلى معارك جانبية. ونحن، عن وعي، كنا لا نرغب أن نردّ الآن، ولا ننساق إلى هذا العبث. الرد لا يكون بالصوت العالي، بل في وقته المناسب، وفي مكانه المناسب، وبالشكل الذي يليق بالحقيقة، نعم الحقيقة التي نعرفها عنك كاملة وسنفضحك بها أمام المغاربة وستكون كلفتها غالية جدا ولن تستطيع أبدا تحملها أتعرف لماذا ؟ انتظرنا في القريب العاجل..لم نكن أبدا نرغب في إهدار وقتنا وجهدنا في محاربة الميكروبات ولكن للأسف أحيانا نكون مجبرين أن ننزل للقاع لرمي الأزبال..
Copyright © 2024