أشرف لكنيزي-
يبدو أن كرة القدم الوطنية، بكل أقسامها، لم تعد ساحة للتنافس الرياضي فحسب، بل تحولت إلى مشهد تتناسل فيه الفضائح المالية، أبرزها “موضة الشيكات” بدون رصيد التي باتت تُميز عدداً من رؤساء الأندية، والذين يختفون فجأة عن الأنظار بعد توزيعهم لشيكات لا تغطيها أرصدتهم البنكية.
هذه “الموضة” التي دشنها الرئيس السابق لأولمبيك خريبكة يوسف ججيلي، من خلال تسليمه للمدرب امحمد فاخر شيكا بقيمة تقارب 40 مليون سنتيم، سيتضح لاحقًا أنه بدون مؤونة، قبل أن يختفي فجأة ويغادر التراب الوطني في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، تاركًا وراءه ملفات مفتوحة لدى القضاء، ومستحقات عالقة في ذمته.
وما زاد الطين بلة، هو تورط أمين المال السابق للفريق، والذي تم توقيفه لمدة 48 ساعة رهن الحراسة النظرية، قبل الإفراج عنه بعد سداده لشيك بقيمة 13 مليون سنتيم كان موجها لأحد اللاعبين، معطيات أخرى قادمة من الدارالبيضاء، تؤكد أن الملف لم يغلق بعد، خصوصا بعد لجوء عدد من الممونين للقضاء لاسترجاع مستحقاتهم من الرئيس الهارب وشريكه المالي.
وفي فضيحة مالية أخرى، تصدرت قضية محمد بودريقة، الرئيس السابق للرجاء الرياضي، واجهة الأحداث، بعدما أدانته المحكمة الزجرية الابتدائية بعين السبع بـ خمس سنوات سجنا نافذا، وغرامة تفوق 650 ألف درهم، إلى جانب المنع من إصدار الشيكات لمدة سنة، بعد متابعته بتهم ثقيلة، إصدار شيكات بدون مؤونة، النصب، التزوير في محررات عرفية، واستعمال وثائق إدارية بطرق غير قانونية.
بودريقة ظل هاربا بين دول الخليج، قبل أن يلقى عليه القبض في ألمانيا ويسلم للسلطات المغربية، في سيناريو مثير.
لكن ما يثير القلق أكثر، هو انتقال هذه العدوى إلى قسم الهواة، حيث سجلت مدينة خريبكة خلال الموسم الرياضي المنصرم، واقعة مثيرة، بعد أن قام أحد رؤساء الأندية المحلية بتسليم شيك بدون رصيد لأحد المقاولين، مقابل شقة سكنية، ليقفل بعدها هاتفه ويختفي عن الأنظار، المثير في القصة، أن تدخلا غامضا من طرف أحد المنتخبين المحليين حال دون متابعة المعني بالأمر، بعد أن تم أداء قيمة الشيك نيابة عنه، دون توضيح السياق أو الغاية من هذا “الكرم السياسي”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تشير المعطيات إلى أن نفس الرئيس منح شيكا يخص الفريق، لصاحب محل عقاقير مقابل الحصول على مواد بناء، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول استعمال شيكات الفرق في معاملات شخصية ..؟
فهل أصبح رؤساء الأندية يستعملون الحسابات البنكية للفرق وكأنها “حسابات شخصية” ..؟ وأين هي الرقابة المالية من المجالس الجهوية والمجلس الأعلى للحسابات ..؟ بل أين هي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من كل هذه التجاوزات التي تمس بمصداقية اللعبة وتضرب ثقة الجمهور في مؤسساتها ..؟
الأسئلة كثيرة، لكن الأجوبة ما تزال معلّقة، والأخطر من كل هذا، هو حين يدخل “الفاعل السياسي” على خط فضائح كروية مالية، ليس من باب المحاسبة، بل من باب التسوية والتستر ..؟ فهل الأمر مجرد “علاقة معرفة” ..؟ أم أن خلف الكواليس ما يفسر هذا التدخل “النبيل” بأهداف غير معلنة ..؟
أسئلة تفتح الباب واسعا أمام التأمل، وتضعنا أمام واقع خطير .. الرياضة الوطنية تحتاج اليوم إلى رقابة صارمة قبل أن تصبح الشيكات بدون رصيد عنوانا رسميا لها.
Copyright © 2024