✍️بقلم: نورابدين زوبدي
تعيش المناطق الداخلية من البلاد على وقع موجات حر غير مسبوقة، تتفاقم حدتها عامًا بعد عام، مخلفة وراءها أضرارًا جسيمة تطال الإنسان والطبيعة على حد سواء. من فلاحات مهددة بالإندثار، إلى بيئة منهكة، وصولًا إلى تراجع مقلق في الفرشة المائية. واقع مرّ يطرح أسئلة ملحة وصادمة: هل ننتظر بصمت أن تضرب الكارثة الكبرى؟ هل نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا النزيف المستمر؟ وما البدائل الممكنة التي من شأنها أن توقف أو تخفف من هذا المسار المدمر..؟
الأرقام لا تكذب الإحصاءات الوطنية الأخيرة تؤكد تنامي موجة الهجرة من المناطق الداخلية نحو المدن الساحلية، بحثًا عن بيئة أكثر رحمة، ومعيشة أقل قسوة. ظاهرة بدأت تتحول إلى نزيف ديمغرافي خطير قد يؤدي، إن استمر، إلى تفريغ هذه المناطق من سكانها، وهو ما ينذر بانهيار توازن اقتصادي واجتماعي طالما لعبت فيه المناطق الداخلية دورًا حيويًا.
فهل يعقل أن نغض الطرف عن سهول وأراضٍ فلاحية كانت تاريخيًا العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني؟ هذه المناطق التي زودت السوق لعقود بلحومها وخضرها وسكرها وحليبها، هل نتركها تواجه مصيرها تحت شمس ملتهبة، ونتجه فقط لتنمية الشريط الساحلي، ثم نتحول إلى بلد يستورد ما يأكل بعدما كان ينتجه..؟
إن دعم المناطق الداخلية لم يعد خيارًا بل ضرورة وطنية. فهذه المناطق لا تحتاج فقط إلى عبارات التضامن الموسمية، بل إلى قرارات جريئة تضمن استمرارية الحياة والكرامة. من بين هذه الإجراءات الممكنة:
ربطها العاجل بشبكات النقل السريع، لتمكين السكان من التنقل اليومي نحو المناطق الساحلية والاستفادة من مناخها، دون الحاجة إلى الهجرة الدائمة.
دعم تجهيز المساكن بالمكيفات الهوائية، إلى جانب تخفيض فواتير الكهرباء، حتى لا تتحول أدوات التبريد من وسيلة للبقاء إلى عبء مالي لا يُحتمل.
الإسراع في إيصال مياه الشرب ومياه السقي، لضمان الحد الأدنى من الأمن المائي اللازم لاستمرار الحياة والفلاحة.
ولعل ما يزيد من مرارة الواقع أن أبناء هذه المناطق، ممن غادروها نحو الخارج بحثًا عن لقمة العيش، يعانون اليوم من تنامي العنصرية في دول المهجر، رغم أنهم ساهموا لعقود في دعم أسرهم وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني عبر التحويلات المالية، التي شكلت رافدًا هامًا من روافد العملة الصعبة.
فهل جزاء هذه المناطق أن تُترك لمصيرها القاسي..؟
هل ننتظر حتى تصبح مدنًا مهجورة بلا سكان ولا حياة..
؟
إن أقل ما يمكن فعله اليوم، هو الاعتراف بهذه المأساة، واتخاذ خطوات عملية وجريئة لدعم صمود المناطق الداخلية، لأنها لا تحارب الحر فقط، بل تقاوم التهميش والإهمال في صمت مؤلم.
Copyright © 2024