تيك توك بين الحرية الفردية وتفكك القيم .. صمت رسمي أمام طوفان التفاهة

بقلم: عادل بالماحي

في مشهد بات مألوفاً لكنه لا يخلو من الخطورة، يشهد الفضاء الرقمي المغربي تصاعداً مذهلاً لاستخدام تطبيق “تيك توك”، حيث انتقلت المنصة من كونها وسيلة ترفيهية موجهة بالأساس لفئة الشباب إلى حلبة صراع اجتماعي وثقافي تمزج بين البحث عن الشهرة السريعة والانزلاق نحو محتوى يُقوّض القيم ويهدم الصورة التقليدية للأسرة المغربية.
صحيح أن الثورة الرقمية أفرزت أشكالاً جديدة من التعبير، وأن حرية الرأي والإبداع مضمونة في النصوص الدستورية، غير أن الواقع يؤكد أن هامش الحرية هذا صار يُستغل، في كثير من الحالات، لنشر محتويات سطحية أو حتى منحطة، لا تُضيف شيئاً للنقاش العام سوى تكريس التفاهة كمصدر للربح السريع والانتشار الفيروسي.
اللافت أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على أفراد معزولين يسعون خلف “اللايكات”، بل اخترقت الجدران السميكة للمنازل، حيث أصبح بعض الآباء والأمهات أنفسهم أدوات في خدمة هذه المنصة، أحياناً عن وعي وأحياناً أخرى بدافع التباهي أو مسايرة التيار. وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يدفع مجتمعاً بتاريخ عريق وحمولة ثقافية راسخة إلى تبرير أو التغاضي عن هذا الانحدار القيمي؟
المفارقة المؤلمة أن كل هذا يحدث في ظل صمت غريب من طرف الوزارة الوصية على الثقافة والتواصل الرقمي، التي تبدو وكأنها اختارت الاصطفاف في خانة المتفرج. فأين هي السياسات العمومية التي توازن بين الحريات الفردية وضمان الجودة التربوية والثقافية لما يُنشر؟ وأين هي استراتيجيات التوعية والتثقيف الرقمي التي تقي الناشئة من هذا “التيه الافتراضي”؟
إننا لا ندعو إلى الوصاية ولا نطالب بالرقابة البوليسية على المحتوى، بل نُحذر من الانجراف الجماعي نحو “ابتذال الحياة”، حيث يصبح التفاهة مقياساً للنجاح، ويُختزل الحضور الرقمي في الرقص المبتذل والتصريحات المستفزة.
لقد آن الأوان لإعادة النقاش العمومي حول دور الدولة، والمدرسة، والمجتمع المدني، في تحصين النشء وتوجيه الطاقات نحو الإبداع الحقيقي، بدل ترك المجال لمن يصنعون “قدوات وهمية” بأدوات رقمية دون رقيب أو مساءلة.
فتيك توك، بقدر ما يحمل من فرص، بقدر ما قد يتحول إلى سلاح ناعم يضرب عمقنا الثقافي إن لم نستيقظ قبل فوات الأوان.

Copyright © 2024