الرباط: سليم لواحي
تواصل العاصمة الرباط ترسيخ مكانتها كمركز إشعاع ثقافي وفكري بامتياز، من خلال استضافتها السنوية للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي بات يشكل موعدًا قارًا في الأجندة الثقافية الوطنية والدولية. وقد شكلت الدورة التاسعة والعشرون، التي أقيمت في الفترة ما بين 9 و19 ماي 2024، محطة فارقة في تاريخ هذه التظاهرة، سواء من حيث عدد الزوار أو تنوع الفعاليات والمشاركات.
حقق المعرض خلال هذه الدورة رقمًا قياسيًا في عدد الزوار، حيث تجاوز عددهم 316 ألفًا، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 32 في المائة مقارنة بالدورة السابقة. هذا الإقبال الكبير لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تضافر جهود تنظيمية ومهنية جعلت من المعرض فضاءً مفتوحًا للحوار والتفاعل بين القراء والناشرين والمبدعين. وقد شارك في هذه الدورة 743 عارضًا من 48 بلدًا، منهم 290 عارضًا مباشِرًا و453 مشاركًا عن طريق التمثيل غير المباشر، مما عكس تنوعًا غنيًا في المحتوى الثقافي المقدم.
عناوين الكتب المعروضة ناهزت 100 ألف عنوان، غطت مختلف التخصصات، من الآداب والفكر والفلسفة إلى العلوم والتكنولوجيا، مع حضور قوي للكتب الموجهة للأطفال واليافعين. وقد تميز البرنامج الثقافي لهذه الدورة بغناه وتنوعه، حيث نُظم أكثر من 1480 نشاطًا ثقافيًا، من بينها 320 فقرة من إنتاج وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أو بتنسيق مع مراكز ومؤسسات أكاديمية، وشارك فيها ما يفوق 3700 متدخل من مفكرين وأدباء وباحثين، ضمنهم 885 مشاركًا في الفقرات الرسمية للوزارة.
وفي بعده التربوي والاجتماعي، أولى المعرض اهتمامًا خاصًا بالأطفال من خلال تنظيم أزيد من 10 آلاف ورشة تثقيفية وترفيهية، عكست توجهًا نحو تنمية المدارك والقدرات الإبداعية لدى الناشئة. كما شهد رواق القصص المصورة إقبالًا لافتًا، حيث احتضن 51 نشاطًا متخصصًا، واستقطب أكثر من 15 ألف زائر، في تفاعل مباشر مع رسامين من كبريات دور النشر العالمية مثل Marvel وDC، ما أضفى على المعرض بعدًا بصريًا فنيًا جديدًا.
الدورة أيضًا كانت مناسبة للاحتفاء برموز الفكر المغربي، حيث تم تكريم الكاتب الراحل إدمون عمران المليح، تقديرًا لمسيرته الأدبية الحافلة، كما نال رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية جائزة “الرواق الولوج والدامج”، نظير حرصه على تيسير الولوجيات لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، في تجسيد ملموس لفلسفة الثقافة المنفتحة والمتاحة للجميع.
وقد اختيرت منظمة اليونسكو ضيف شرف لهذه الدورة، في سياق الشراكة المتنامية بين المغرب وهذه الهيئة الأممية، بما يعكس رغبة متبادلة في تعزيز التعاون الثقافي متعدد الأبعاد، وترسيخ قيم التنوع والاعتراف المتبادل.
ومع اقتراب موعد الدورة الثلاثين، المقررة ما بين 17 و27 أبريل 2025 بفضاء OLM السويسي، تتجه الأنظار من جديد إلى الرباط، المدينة التي أعادت تعريف علاقتها بالكتاب وجعلت منه احتفالًا مفتوحًا بالكلمة الحرة والفكر المتجدد. ومن المرتقب أن تكون هذه الدورة محطة جديدة نحو مزيد من الانفتاح والابتكار، بمشاركة أوسع، وبرنامج ثقافي غني يعكس مكانة المغرب كجسر ثقافي بين شمال وجنوب المتوسط.
Copyright © 2024