التميز ميديا:
في لحظة تعانق فيها الذاكرة الوطنية مع نبض الحاضر، افتتحت مساء الاثنين 4 غشت 2025 بمدينة خريبكة فعاليات الدورة التاسعة لملتقى الثقافة العربية، في أجواء فنية وثقافية راقية، تخليدًا للذكرى الـ26 لعيد العرش المجيد، تحت شعار “ربع قرن من مشاريع التنمية وأوراش التحديث والإشعاع العالمي”.
الملتقى، الذي يستمر حتى 7 غشت، لم يكن مجرد احتفال عابر، بل مشهدًا دبلوماسيًا وثقافيًا جامعًا، عكس روح الانفتاح المغربي المتأصلة، وعبّر عن دينامية مدينة خريبكة كفضاء ثقافي يراكم التجارب ويُجدد أدوات التواصل الحضاري.
وقد جاء هذا الحدث البارز ثمرة شراكات متعددة، بين المجمع الشريف للفوسفاط (عبر act4community)، المديرية الجهوية للثقافة، جماعة خريبكة، عمالة الإقليم، مجلس جهة بني ملال خنيفرة، والخزانة الوسائطية، وغيرها من الفاعلين المؤسساتيين الذين أدركوا أن الثقافة ليست ترفًا، بل رأسمال رمزي واستثماري في آن.
حفل الافتتاح تميز بتكريم شخصيات مغربية وعربية وازنة، من طينة المناضل الراحل عياشي المدني، الذي استُحضر نضاله من خلال كلمة مؤثرة ألقتها رفيقة دربه، مرورًا بسفيرة السودان المعتمدة في الرباط، التي أضاءت عمق العلاقات المغربية السودانية، وأبرزت دلالات ذكرى عيد العرش كعيد سيادة، وإنجاز، ووفاء.
الحدث أيضًا شكل مناسبة للاحتفاء بالسيدة رانيا الشوبكي، رئيسة مجموعة عقيلات السفراء العرب، وأحد الوجوه اللامعة في العمل الدبلوماسي العربي بالمغرب، إضافة إلى تكريم العلامة عبد القادر الكتاني، في لحظة رمزية جمعت بين الثقافة، الدين، والهوية في بوتقة واحدة.
رئيسة المنتدى، السيدة ياسمين الحاج، أكدت في كلمتها أن هذا الحدث يعكس بجلاء ما تحقق من منجزات على مدى 26 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، معتبرة أن الملتقى يُجسد “استمرارية الدبلوماسية الثقافية” ويعزز التقارب العربي من بوابة الفن والفكر.
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر ممثل جماعة خريبكة، محمد عفيف، أن الملتقى يحمل في جوهره دلالات رمزية قوية، تعزز الهوية المتعددة الأبعاد، وتمزج بين الأمازيغي والعربي والإفريقي، في تناغم يُعيد تشكيل خريطة الانتماء الثقافي للمغرب الجديد.
أما المدير الجهوي للثقافة، فاعتبر المناسبة أكثر من احتفال، بل لقاءًا فكريًا ونقاشيًا، يجمع نخبًا أكاديمية ومفكرين من مختلف البلدان، عبر جلسات علمية تُعزز البعد الإقليمي والدولي للثقافة المغربية، وتربطها بإشعاع عيد العرش كمحطة فارقة في تاريخ الأمة.
وعقب الافتتاح الرسمي، انطلقت أشغال الندوة الدولية تحت عنوان العبقرية الملكية.. إنجازات وآفاق”، والتي افتتحتها الباحثة الدكتورة شهيدة العزوزي، وسير جلستها الكاتب معاش عبد الكريم.
المداخلات عكست تنوع الحقول المعرفية والتخصصات؛ من علم الاجتماع والتحولات الثقافية في مداخلة الدكتور سعد أبو نار، إلى أبعاد الجهوية الموسعة التي تناولها الدكتور رشيد بنعمر، وصولًا إلى الرؤية الإفريقية للمغرب كما شرحها الكاتب الجزائري هشام عبود، الذي أكد أن المغرب لعب أدوارًا محورية في تكريس بناء قاري موحد.
لا تقف فعاليات الملتقى عند حدود التنظير الأكاديمي؛ إذ يشهد برنامجه جلسات شعرية، عروضًا سينمائية، لقاءات مع كتاب وفنانين، وتوقيعات إصدارات، بالإضافة إلى معرض للفن التشكيلي وخرجات سياحية، ما يُجسد شمولية الرؤية الثقافية، ويجعل من خريبكة مختبرًا حيًا لحوار الثقافات والذاكرة الوطنية.
وهكذا، تثبت مدينة خريبكة مجددًا أنها ليست فقط مدينة الفوسفاط، بل أيضًا مدينة الثقافة والمبادرة، مدينة تكتب بمداد الفكر والفن صفحة مضيئة في سجل الدبلوماسية الثقافية المغربية.
ووسط التحولات التي يشهدها الوطن العربي، يبرز ملتقى الثقافة العربية بخريبكة كمنصة للحوار العميق، وكرسالة ناعمة مفادها: أن المغرب لا يراهن على السلاح أو الصخب… بل على الكلمة، والصورة، والفن.
Copyright © 2024