✍أشرف لكنيزي
من السهل في زمن الارتباك الجماعي أن نصنع من أي منبر إعلامي شماعة نعلّق عليها كل أعطابنا، لكن من الأصعب أن نمتلك شجاعة مواجهة أنفسنا بصدق، هذا ما يحدث اليوم مع قناة شوف تيفي، التي تحولت، عن وعي أو عن غير وعي، إلى ساحة تصفية حسابات تُحمل فوق طاقتها، وكأنها هي أصل الداء وليست انعكاسا لعلله.
شوف تيفي ليست استثناءً في المشهد الإعلامي، هي تجربة إعلامية مثل كل التجارب فيها النجاح وفيها التعثر ..، فيها السبق وفيها الأخطاء ..، لكنها قبل كل شيء منبر صريح، رفع الغطاء عن قضايا يتجنب كثيرون الاقتراب منها، ولأنها تجرأت على الغوص في العمق الاجتماعي، فهي تدفع اليوم فاتورة هذا الخيار، حيث يتقن المجتمع جلد ذاته عبر مهاجمة من يضع أمامه المرآة.
فقناة الشعب شوف تيفي تمثل القوة الناعمة التي ما فتئت تقف ندا قويا في وجه الأصوات المعادية للوطن، بحكم تصدرها للمشهد الإعلامي الإلكتروني من خلال نسب المشاهدات التي تحققها والتي تعد بالملايير، فدول عديدة كقطر والسعودية استطاعت بفضل قنواتها لفت أنظار العالم، وتسليط الضوء على منجزاتها وكسب رهان تنظيم تظاهرات عالمية كبرى في مجالات عدة، وعلى رأسها كرة القدم، والمغرب اليوم بحاجة لقناة الشعب شوف تيفي لأنها تمثل إحدى ركائز القوة الناعمة، وواجهة من واجهات الدفاع عن القضايا الوطنية.
النقد حق مشروع، بل ضرورة لتطوير أي مؤسسة إعلامية، لكن الخط الفاصل بين النقد البناء والتحامل الشخصي يجب أن يكون واضحا، فليس من المهنية أن نستنكر التشهير ثم نمارسه باسم الحرية، أو أن نتحدث عن الأخلاقيات ونحن أول من يخترق حميمية الناس على منصات أخرى، هذا التناقض يفضحنا قبل أن يفضح القناة نفسها.
القضية ليست قناة بعينها، بل هي سؤال أعمق كيف نريد لإعلامنا أن يكون ..؟ هل نريده مجرد نسخة مكرورة من بلاغات رسمية صامتة، أم منبرا مفتوحا يعكس وجع الشارع كما هو، بمرارته وصخبه ..؟ إذا اخترنا الجواب الثاني، فعلينا أن نتعلم كيف نفرّق بين الخبر كمعطى، وبين ردود أفعالنا كجمهور، الإعلام يقدّم مادة، والجمهور يصنع صدى، والمسؤولية مشتركة.
لقد أثبتت التجارب أن الشهرة سيف ذو حدين، من يختار أن يكون شخصية عامة عليه أن يتوقع الاهتمام، وأن يدرك أن المجد يصاحبه ضريبة، لكن هذا لا يعني تبرير الظلم أو الانحراف نحو الفضائح، بل هو تذكير بأن العلاقة بين الإعلام والجمهور تقوم على التفاعل الدائم، بما فيه من لحظات إنصاف ولحظات قسوة.
إن الدفاع عن شوف تيفي ليس دفاعا عن خط تحريري بعينه، بقدر ما هو دفاع عن حق التجربة في أن تُنتَقد بشكل راشد، وأن تُطوَّر بالحوار لا بالإعدام الرمزي. لأننا إن قبلنا اليوم أن نحاكم منبرًا بهذه الطريقة، فإن الدور سيأتي غدا على غيره، وسنكون أول الخاسرين.
شوف تيفي ليست عدوا للمجتمع، بل هي ابنة هذا المجتمع، تحمل تناقضاته وتُبرز همومه، بدل أن نطاردها بالهجوم، فلنحوّل النقاش إلى ورش وطني حول أخلاقيات الإعلام وجودة القوانين التي تضبطه، حتى نصنع إعلاما أقوى ومجتمعا أقدر على مواجهة نفسه بصدق.
Copyright © 2024