
أشرف لكنيزي-
خلفت الدورة الـ24 من المهرجان الوطني لعبيدات الرما، المنظم مؤخراً بإقليم خريبكة، خيبة أمل عارمة لدى المتتبعين للشأن الثقافي والفني بالمنطقة، بعدما ظهرت نسخة هذه السنة في صورة شاحبة وباهتة لا تليق بتاريخه الذي يناهز ربع قرن، فبدل أن يكون محطة إشعاع ثقافي وتراثي، تحول المهرجان إلى حدث “يُنظم لأنه يجب أن يُنظم”، دون روح ولا أثر.
وفي محاولة لإضفاء بعد أكاديمي على البرنامج، جرى تنظيم ندوة فكرية حول موضوع “الهجرة في التراث الموسيقي الشعبي: فن عبيدات الرما نموذجاً” بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بخريبكة، غير أن المشهد كان أكثر إحراجاً من أن يُروى؛ محاضرون وجدوا أنفسهم يلقون مداخلاتهم أمام المدير الإقليمي فقط، وقاعة لم يتجاوز عدد الحاضرين فيها عشر أشخاص معظمهم من العاملين الإداريين! فبدت الندوة كدرس إضافي في فصل فارغ.
الكرنفال التراثي، الذي يفترض أن يشكل لحظة احتفالية جامعة، جاء بدوره كارثياً من حيث التنظيم، ليطرح سؤالاً بسيطاً: هل يعقل أن مهرجاناً يقترب من 25 سنة يعجز عن تنظيم استعراض محترم في الشارع العام؟ ما قُدم لا يرقى حتى لمستوى “نشاط نهاية السنة في مدرسة ابتدائية”.
أما حلقات الفرجة التقليدية التي احتضنتها ساحات حطان وبوجنيبة وبولنوار، فكانت باهتة على مستوى العروض والحضور، إذ لم تستقطب جماهير تُذكر، بالنظر إلى توقيت المهرجان الذي تزامن بشكل غريب مع انطلاق الموسم الدراسي، وكأن البرمجة تمت دون أي اعتبار للواقع الاجتماعي للسكان.
السهرات الكبرى بساحة المجاهدين، التي كانت في دورات سابقة تخلق حركية استثنائية بالمدينة، عانت بدورها من ضعف الإقبال، السبب؟ أسماء فنية غير قادرة على استقطاب الجمهور، وغياب أي تصور لخلق تنوع فني حقيقي.
فشل هذه الدورة يكشف بوضوح محدودية الإبداع وغياب الأهداف الواضحة لدى المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بخريبكة، وهي المديرية التي ارتبط اسمها في السنوات الأخيرة بعدة ممارسات مشبوهة، من قبيل العروض الوهمية والتي فجرها رئيس احد المجموعات الغنائية من خلال شكاية تحت عدد 2024/1027 يطعن من خلالها في احد عقود العمل الوهمية.
المشكلة هنا ليست في التمويل ولا في اللوجستيك، بل في غياب فكرة، هوية، مشروع، فالمهرجان لم ينجح في تقديم أي قيمة مضافة للمدينة على مستوى التسويق الترابي.
انتهى المهرجان كما بدأ، دون أثر، دون بصمة، دون حتى صورة واحدة تحفظ ماء الوجه، وهو ما فسره متتبعون بضعف التحضير والاستعجال في الإعداد، مما كشف محدودية الإبداع لدى القائمين على هذه التظاهرة التي كان يُفترض أن تكون واجهة فخر للتراث المحلي، فإذا بها تتحول إلى مرآة تعكس أزمة التدبير الثقافي بالإقليم.
ربما آن الأوان لطرح السؤال المؤلم .. هل نحتاج إلى دورة 25… أم إلى إعادة تأسيس المهرجان من الصفر ..؟
Copyright © 2024