خريبكة.. مطالب «جيل Z» والسياسي الذي يعتقد أنه «بوحدو مضوي لبلاد»

✍أشرف لكنيزي
أعطت مدينة خريبكة يوم أمس نموذجاً راقياً في تدبير احتجاجات «جيل Z»، شباب لا يحملون أي لون حزبي أو سياسي أو نقابي أو جمعوي، فقط مواطنون تتراوح أعمارهم بين 16 سنة فما فوق، من المتفوقين في دراستهم، خرجوا إلى ساحة الفردوس للتعبير عن مطالبهم، شأنهم شأن باقي شباب الأقاليم المغربية. خرجوا بلغة راقية، دون سب أو قذف أو تخريب، بل بحوار مباشر مع السلطات الإقليمية والمحلية والأمنية، التي وجدت نفسها مرة أخرى، كما في جائحة كورونا، في الصفوف الأمامية.

وفي المقابل، غاب المنتخبون والفاعلون السياسيون الذين يُفترض أنهم ممثلو هؤلاء الشباب وصوتهم في المؤسسات، والحقيقة أن جزءاً كبيراً من مشاكل الإقليم والوطن مرتبطة بهذه الفئة السياسية التي راكمت الثروات في لمح البصر، وتحكمت في الصفقات عبر شركات بأسماء مقربين وأصدقاء، حتى كرة القدم، المتنفس الوحيد للشباب، لم تسلم من بطشهم؛ نهبوا ميزانية الفريق الأم، أغرقوه في الديون، وأرسلوه لأقسام الهواة، وقاموا بانتدابات مشبوهة كلفت خزينة الفريق ملايين الدراهم، بل ووقعوا شيكات دون موجب حق رغم عدم اختصاصهم، ولما وصلت ملفاتهم إلى المحاكم… تم حفظها!

فماذا عسى هؤلاء الشباب أن يفعلوا تجاه مسؤولين كهؤلاء، تواروا عن الأنظار وتركوا الدولة بمختلف أجهزتها الأمنية في مواجهة جيل كان من المفترض أن يتم تأطيره سياسياً على يد هذه الأحزاب التي تحولت إلى دكاكين تنهب خيرات الإقليم دون أن تقدم أي إضافة، بل أصبحت أحد أهم أسباب احتقان الشباب.

كيف يُعقل أن يُقدم فاعل سياسي على إغلاق الملعب البلدي بخريبكة في وجه الجمعيات الرياضية المنضوية تحت لواء العصبة الجهوية لكرة القدم بني ملال خنيفرة ..؟ ورغم الوقفات الاحتجاجية التي نُظمت أمام الملعب العام الماضي، يُلزم الجمعيات بأداء واجبات مالية لفائدة جمعية رياضية هو رئيسها الفعلي، بينما يسيرها على الورق شخص آخر..! بل وصل الأمر إلى حد إجبار أحد رؤساء الجمعيات على تقديم اعتذار مصوّر بالفيديو فقط للسماح له بولوج ملعب تُعتبر ملكيته جماعية.

نفس الفاعل السياسي، عند قيام لجنة مختلطة تضم أطر عمالة إقليم خريبكة ورجال سلطة بمراقبة أحد محلات الوجبات الخفيفة، تعرضوا للإهانة من طرف أحد مقربيه، فتدخل لثني اللجنة عن اتخاذ الإجراءات القانونية ..!

أمام هذا الواقع، فالسلطات الإقليمية، في شخص عامل الإقليم الوافد الجديد هشام المدغري العلوي، مطالبة اليوم بالتصدي بحزم لمثل هذه الممارسات التي تغذي الاحتقان. لا يمكن القبول بأن يتحول فضاء رياضي عمومي إلى قلعة سياسية لا تُفتح أبوابها إلا عبر الولاءات.

كما أصبح من الضروري إعادة النظر في الدعم المخصص للجمعيات الرياضية والمعايير المعتمدة في توزيع المنح من طرف اللجنة الرياضية المكلفة.

خلال وقفة مساء أمس الأربعاء، ردد الشباب العديد من الشعارات، أبرزها: الصحة، التعليم، الشغل… والمحاسبة! وهذا الشعار الأخير تكرر مرات عديدة، ما يدفعنا لطرح سؤال جوهري: كم عدد الخروقات التي تم رصدها في حق هذه النخب السياسية بالإقليم..؟ ولماذا ظلت المحاسبة معطلة..؟ ومن هي الجهات التي تحمي هؤلاء من المثول أمام العدالة..؟

إذا لم تتحرك الدولة اليوم لفتح هذه الملفات، فإن هذا الجيل سيعيد فتحها بطريقته، جيل Z لا يريد الفوضى… بل العدالة، لا يريد إسقاط الدولة… بل يريد دولة تُسقِطُ من يعتقد أنه “بوحدو مضوي لبلاد”.

Copyright © 2024