رسائل جيل Z إلى من يهمهم الأمر – خريبكة نموذجاً

✍🏻 بقلم: نجيب مصباح

في مدينة خريبكة، يتصاعد صوت جيل جديد، لا يطالب بالمستحيل، بل بالإنصات الصادق والمسؤولية المشتركة. جيل Z هنا لا يكتب بيانات سياسية، بل يوجه رسائل واقعية إلى من يهمهم الأمر، مطالبًا بفتح نوافذ الأمل وإعادة الثقة بين المواطن والمؤسسة.

جيل نشأ في عالم رقمي سريع، لكنه مازال يصطدم ببطء في التغيير وبيروقراطية تُقيد الطموح. من خلال مبادرات بسيطة على الأرض أو في الفضاء الافتراضي، عبّر شباب خريبكة عن رغبتهم في بناء مدينة عادلة، شفافة، ومتصالحة مع ساكنتها.

في قلب رسائل هذا الجيل، يأتي ملف التشغيل كأولوية قصوى. شباب المنطقة ينتظرون من الجهات المسؤولة مقاربة واقعية تُعيد الثقة، عبر خلق فرص عمل حقيقية تضمن الكرامة والاستقرار، بعيدًا عن الوعود الموسمية أو الحلول الترقيعية. إن تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية لن يتم إلا بسياسات تنموية واضحة المعالم، تُحفّز الاستثمار وتضع الإنسان في صلب أي مشروع.

يرتكز وعي جيل Z بخريبكة على ثلاث قضايا محورية تشكل جوهر مطالبه اليومية:
أولًا، تحسين المنظومة الصحية التي تعاني خصاصًا في الموارد البشرية والتجهيزات، وضمان حق العلاج الكريم لكل المواطنين دون تمييز.
ثانيًا، إصلاح التعليم باعتباره المدخل الأساسي لأي تنمية، من خلال تطوير البنية التحتية المدرسية والجامعية، وتأهيل الأطر وتحفيز الكفاءات المحلية.
ثالثًا، محاربة الفساد بكل أشكاله، من خلال تفعيل آليات المراقبة والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يعيد الثقة في المؤسسات ويؤسس لعدالة اجتماعية حقيقية.

تُعدّ حاجة خريبكة اليوم إلى حي جامعي مطلبًا ملحًا لتخفيف العبء عن الطلبة والطالبات، عبر توفير سكن ملائم قريب من المؤسسات التعليمية وخدمات عمومية داعمة. ويرتبط بهذا المطلب تحسين كبير في خدمات النقل العمومي وتنظيم عمل سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، خاصة وأن بعض السائقين يتعاملون بلامبالاة ويُرتكب لديهم تجاوزات تتجلى في زيادات غير قانونية على التعريفة. لذلك يطالب الشباب بفرض تطبيق صارم للقرارات العاملية، وإشهار التعرفة الرسمية أمام المرتفقين والركاب، وفتح آليات للإبلاغ وردع المخالفين، وعدم التستر على التجاوزات. هذا الإصلاح ليس ترفًا، بل ضرورة لضمان حرية الحركة والكرامة اليومية للطلبة والمواطنين على حد سواء.

وفي السياق ذاته، يبرز مطلب آخر لا يقل أهمية، يتمثل في بناء مركز للإيواء بمدينة خريبكة، بحكم الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية التي تُنظم بالإقليم، والتي يكون لها وقع اقتصادي وسياحي مهم. فالمدينة تفتقر حاليًا إلى فضاءات مبيت كافية، ما يجعل الجهات المنظمة تواجه صعوبات كبيرة في استقبال ضيوفها وإيوائهم بالشكل اللائق. إن إنشاء مركز من هذا النوع سيساهم في تعزيز جاذبية المدينة ويدعم بنيتها التحتية لاستقبال الفعاليات الوطنية والدولية.

جيل اليوم لم يعد يقبل بالتبريرات الجاهزة ولا بسياسة الإفلات من العقاب. فالمحاسبة، بالنسبة له، ليست شعارًا، بل مبدأ وحق وضرورة لبناء الثقة. لذلك يدعو إلى فتح الملفات التي تشوبها شبهة اختلاس أو سوء تدبير للمال العام، وإبعاد كل من ثبت تورطه أو فشل في مسؤوليته عن مواقع القرار والتسيير. فخريبكة لا تحتاج إلى وجوه متكررة، بل إلى كفاءات نزيهة وشابة قادرة على تحقيق التغيير الفعلي.

كما يطالب شباب المدينة بإنصاف ذوي الحقوق، ورد الاعتبار لكل الفئات التي طالها التهميش، مع ضرورة أن يخرج المسؤولون من مكاتبهم المكيفة، وينزلوا إلى الميدان للاستماع للمواطنين عن قرب، لأن الحلول لا تُصاغ في التقارير، بل في الشارع، والمدرسة، والسوق، والمقهى. فالتواصل الصادق هو المدخل الحقيقي لأي إصلاح ناجح.

في رسائلهم أيضًا، ينبه الجيل الجديد إلى خطورة تجاهل التفاصيل الصغيرة التي كثيرًا ما تُفجر احتقانًا اجتماعيًا نحن في غنى عنه. فالمسألة لا تتعلق فقط بالقرارات الكبرى، بل أيضًا بطريقة التعامل، بالإنصات، وبإدارة الحوار، لأن الإهمال في أبسط الأمور قد يولد غضبًا يصعب احتواؤه لاحقًا.

ويرفض شباب خريبكة كل أشكال العنف والحقد والكراهية، مؤكدين أن التغيير لا يكون بالصدام، بل بالحوار والمواطنة الحقة، وبترسيخ قيم المسؤولية والاحترام المتبادل بين الدولة والمجتمع. فجيل اليوم لا يبحث عن مواجهة، بل عن مشاركة في صناعة الحلول، ضمن مغرب متجدد، تسوده العدالة والكرامة.

جيل Z في خريبكة، كما في باقي مدن مغربنا الحبيب، لا يطلب المستحيل، بل يريد فقط أن يُسمع صوته، وأن يُمنح حقه في المساهمة، وأن يرى مدينته تنبض بالصدق لا بالشعارات.
إنه جيل يحتاج إلى الإنصات والبناء المشترك، عبر إدماجه في اتخاذ القرار ورسم مستقبل المدينة.
إنها رسالة مفتوحة إلى من يهمهم الأمر: «كفى وعوداً.. حان وقت الفعل».

Copyright © 2024