رمزية الرقم (6)… من المسيرة الخضراء إلى نص القرار الأممي حول الصحراء المغربية

✍️بقلم: نجيب مصباح

يشكّل ورودُ عبارة «الحكم الذاتي» ستّ مراتٍ في مسودة القرار الأممي الجديد حول الصحراء المغربية تقاطعًا رمزيًا لافتًا مع تاريخ 6 نونبر، يوم المسيرة الخضراء، بما يمنح النصّ بعدًا سياسيًا ومعنويًا خاصًا بالنسبة للمغرب. فأن تُكرَّر المبادرة المغربية بهذا الشكل داخل وثيقة أممية لا يمكن أن يكون محض صدفة لغوية، بل إشارة إلى رسوخها في خطاب المنظمة الدولية كمقاربة واقعية وجدّية للحل السياسي.

لقد انتقل المغرب، بعد سنوات من الدفاع عن مبادرته، إلى مرحلة جديدة عنوانها ترسيخ المرجعية بدل تبريرها. فمبادرة الحكم الذاتي لم تعد مجرّد اقتراح مغربي ضمن مقترحات متعددة، بل أصبحت الإطار الوحيد الذي تتعامل على أساسه القوى الكبرى والدبلوماسية الأممية مع الملف. هذا التحوّل لا يعكس فقط نجاحًا دبلوماسيًا، بل أيضًا تحوّلًا في منطق إدارة الصراع: من سجال الشرعية إلى واقع الحل.

في المقابل، يعيش خصوم الوحدة الترابية حالة من ارتباك الخطاب واهتزاز السردية. فبينما تراكم الرباط أوراق القوة والاعتراف والدعم، تزداد الهوة بين خطاب الجبهة الانفصالية وواقع الميدان، حيث لم يعد أحد في المحافل الدولية يتحدث عن “الاستفتاء” أو “تقرير المصير” خارج صيغة الحكم الذاتي. إن موازين الشرعية والمشروعية تحوّلت بشكل واضح، ما جعل الدعاية الانفصالية تواجه عُزلة سياسية متنامية.

إنّ القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن لا يُجسّد فقط استمرار الزخم الدولي المؤيّد للمقاربة المغربية، بل يؤكد أيضًا تحوّل الأمم المتحدة من منطق التسوية المفتوحة إلى منطق الحل القائم على الواقعية والمسؤولية. وبذلك، يصبح تكرار “الحكم الذاتي” ستّ مراتٍ أكثر من تفصيلٍ لغوي؛ إنه إعلان رمزيّ يوازي في دلالته المسيرة الخضراء التي أعادت رسم حدود الوعي الوطني قبل خمسة عقود.

فكما كانت المسيرة الخضراء حدثًا وحدويًا حرّك الجغرافيا بإرادة الشعب، فإن “6 نونبر الأممي” اليوم يحرّك الدبلوماسية بإرادة الدولة.

لقد انتصر منطقُ البناء على منطق النزاع، وأصبحت المبادرة المغربية عنوانًا لواقعية سياسية تُقنع العقول قبل أن تُحرّك العواطف، لتؤكد أن المغرب ماضٍ بثقة في طريقه نحو تثبيت وحدته الترابية وبناء مجده الوطني على أسسٍ من الشرعية والاعتراف والالتزام.

Copyright © 2024