
محمد الطالبي
لا شيء أثقل على القلب من أن تستيقظ في اليوم الوطني للإعلام لتتأمل مهنة كانت يومًا عنوانًا للنبل والسلطة الرمزية، فإذا بها تتحول إلى ظل باهت لا يشبه تاريخها ولا يسعف حاضرها. مهنة حملت أسماء كبيرة: السلطة الرابعة وصاحبة الجلالة… لكنها اليوم أقرب إلى رقعة قماش بالية تناوب عليها العابثون، وجرّدوها من قدسيتها ومن دورها في حماية الحقيقة.
لقد أُريد للصحافي أن يتحول إلى مجرد أجير، إلى رقم يُقذف في بورصة الدعم، حيث الدعم لم يعد أداة للتأهيل، بل مادة سامة تُحقن ببطء تحت إشراف حكومي، حتى تنمحي معالم الجريمة ويستقيم المشهد الزائف.
وما يزيد الجرح اتساعًا أن المشكل لم يعد مقصورًا على مقاولي الصدفة، بل على منظومة كاملة تُدير المهنة بمنطق الريع، وتستبدل أهل الخبرة بديكور إعلامي جاهز لملء الفراغ. وكل ذلك في ظل قانون هشّ، وتجربة تدبير ذاتي جرى اغتيالها عمدًا، على مرأى من حكومة صامتة، وبرلمان تخلّى عن وظيفته التشريعية لصالح تمرير المنافع وتكريس تضارب المصالح.
وحين أشير إلى البعض، فلا يعني هذا منح صكوك البراءة لأي طرف، بما في ذلك نفسي. نحن أمام مأساة جماعية نتقاسم مسؤوليتها، كلٌّ بصمته، بتردده، بلحظاته التي كان يجب أن يصرخ فيها ولم يفعل.
اليوم، نرى البحر يلفظ جثة إعلام فقد ملامحه. جثة لا تعرّف بها سوى يد التشريح الأخلاقي والمهني، بعدما غرقنا جميعًا في صمت طويل سهّل مهمة القتلة المتسللين.
ومع ذلك، ستظل هناك بارقة. فالإعلام، مهما انحنى ظهره، سيبقى ملكًا للأحرار الحقيقيين، لأولئك الذين يتمسكون بالاختلاف والتعدد، ويضعون بند الضمير فوق كل نفوذ وريع وبريق زائل.
سيبقى الإعلام ملاذًا للشجعان، لا لمرتادي أسواق الذلّة، ولا لمن شدّوا خيولهم إلى عربات المصالح.
إنها مرثية مهنة تُغتال ببطء…
لكنها أيضًا دعوة صريحة للنهضة، قبل أن يكتمل احكام حبل المشنقة .
Copyright © 2024