
أشرف لكنيزي-
في سياق التحولات العميقة التي تشهدها منظومة الأمن الوطني، تبرز سنة 2025 كنقطة مفصلية في مسار تدبير الحياة المهنية لموظفات وموظفي الشرطة، حيث واصلت المديرية العامة للأمن الوطني تنزيل اختياراتها الإستراتيجية القائمة على تثمين الرأسمال البشري، وتعزيز الحكامة، وتكريس البعد الاجتماعي والصحي كأساس للنجاعة الأمنية والاستقرار الوظيفي.
التوظيف والتكوين الشرطي… بوابة استقطاب الكفاءات وبناء الاحتراف
عرفت سنة 2025 تسريع وتيرة تنزيل مقتضيات الميثاق الجديد للتوظيف والتكوين الشرطي، بما يعكس توجها واضحا نحو استقطاب كفاءات مؤهلة قادرة على مواكبة التحولات الأمنية المتسارعة. فقد بلغ عدد موظفات وموظفي الشرطة الجدد المستدعين للتداريب الأساسية بالمعهد الملكي للشرطة والمدارس التابعة له 4693 شرطية وشرطيا من مختلف الرتب، سيعززون الموارد البشرية بعد فترات تكوين تمتد من ستة أشهر إلى سنتين.
وفي موازاة ذلك، جرى تنظيم ست مباريات خارجية لتوظيف 6733 موظفا، شملت مختلف الأسلاك والرتب، في إطار مسطرة شفافة اعتمدت الترشيح الإلكتروني وتوسيع نطاق الإشهار عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، بما يضمن تكافؤ الفرص وتكريس مبدأ الاستحقاق.
أما على مستوى التكوين، فقد استفاد 10.249 موظفة وموظف شرطة من برامج التكوين المهني، توزعت بين التكوين الأساسي، والتكوين المستمر، والتكوين التخصصي، في تجسيد لرؤية تعتبر التكوين رافعة أساسية للرفع من الأداء المهني والجاهزية الميدانية.
وتعزيزا لهذا المسار، تم خلال السنة نفسها تعيين 6450 شرطية وشرطيا من الجيل الجديد بمختلف المصالح المركزية واللاممركزة، في توزيع مدروس يراعي حاجيات المرفق الأمني وتوازن الموارد البشرية.
التحفيز والتأديب… حكامة متوازنة بين الإنصاف والمساءلة
راهنت المديرية العامة للأمن الوطني على مقاربة مندمجة للتحفيز الوظيفي، تضع الموظف في صلب الاهتمام المؤسساتي. وقد تجسد ذلك من خلال الانتظامية في الترقية، حيث استفاد 10.393 شرطية وشرطيا من الترقية السنوية برسم سنة 2024، بنسبة ناهزت 68 في المائة من مجموع المسجلين، مع عناية خاصة بالدرجات الصغرى والمتوسطة.
كما تمت دراسة ملفات 14.041 موظفا برسم سنة 2025، في أفق الإعلان عن نتائجها داخل آجالها المعتادة، إضافة إلى الاستفادة من ترقيات استثنائية وتوشيح 353 موظفة وموظفا بأوسمة ملكية سامية، اعترافا بتفانيهم ومساراتهم المهنية المتميزة.
وعلى مستوى الاستقرار الاجتماعي، تمت الاستجابة لـ6601 طلب انتقال، منها 2967 طلبا استعجاليا لأسباب اجتماعية وصحية، إلى جانب استقبال آلاف الموظفين في إطار آلية “طلبات المقابلة”، وتوفير المؤازرة القانونية لـ2661 شرطية وشرطيا، تكريسا لمبدأ حماية الدولة لموظفيها.
وفي إطار الإنصاف الوظيفي، درست اللجنة المركزية للتظلمات 280 تظلما، أصدرت بشأنها 294 توصية، أسفرت عن مراجعة أو إلغاء نسبة معتبرة من العقوبات التأديبية، في توازن دقيق بين مصلحة الموظف ومتطلبات المرفق العام.
أما في جانب التخليق وربط المسؤولية بالمحاسبة، فقد تمت معالجة 7270 ملفا إداريا، مع تسجيل انخفاض في عدد الأبحاث الإدارية بنسبة 8,5 في المائة، ما يعكس تطورا إيجابيا في ترسيخ قيم المهنية والانضباط داخل المؤسسة الأمنية.
الرعاية الاجتماعية والصحية .. الأمن الوظيفي في بعده الإنساني

شكل البعد الاجتماعي والصحي أحد أبرز مرتكزات تدبير الحياة المهنية خلال سنة 2025، حيث تم الارتقاء بمصالح العمل الاجتماعي إلى مستوى مصالح ولائية، بهدف تقريب الخدمات من الموظفين وأسرهم.
وقد استفاد آلاف المنخرطين من مساعدات مالية مباشرة، شملت المصابين بأمراض خطيرة، والأرامل، والمتقاعدين ذوي المعاشات المحدودة، إلى جانب توسيع خدمات التغطية الصحية التكميلية والتأمين على الوفاة لتشمل فئات كانت مستثناة في السابق.
كما تم صرف دعم مالي استثنائي لفائدة 409 مستفيدين، وتنظيم استفادة 286 فردا من أسرة الأمن الوطني من أداء فريضة الحج، مع توسيع قاعدة المستفيدين لتشمل الأرامل والمتقاعدين بشكل أكبر.
وفي المجال التربوي، استفاد الآلاف من أبناء وأيتام أسرة الأمن الوطني من المخيمات الصيفية، إلى جانب تنظيم حفل التميز وتوزيع منح دراسية مهمة لفائدة المتفوقين، في تجسيد لثقافة الاعتراف وتشجيع التفوق.
أما على المستوى الصحي، فقد عرفت سنة 2025 تقديم أزيد من 176 ألف استشارة وتدخل طبي، شملت الطب العام، وطب الشغل، وطب الأسنان، والدعم النفسي، إلى جانب حملات التبرع بالدم والمراقبة الصحية لأماكن الحراسة النظرية.
تعكس حصيلة سنة 2025 في تدبير الحياة المهنية لموظفات وموظفي الشرطة رؤية مؤسساتية تعتبر الاستثمار في العنصر البشري مدخلا أساسيا لتحقيق الأمن الشامل. فهي مقاربة متوازنة تجمع بين التكوين والتحفيز، والإنصاف والمساءلة، والرعاية الاجتماعية والصحية، بما يعزز الثقة الداخلية ويقوي علاقة المؤسسة الأمنية بالمجتمع، في انسجام تام مع متطلبات دولة القانون وخدمة المواطن.
Copyright © 2024